لا تنتهى حيل النصابين أبدًا ما دام أن هناك من يسهُل خداعه، ربما تكون آخر تلك الحيل ما عرف مؤخرًا باسم المراهنات الإلكترونية التى وقع الكثير من الشباب الباحث عن الربح السريع ضحية لها، حيث تغرى وتستقطب المشاركين من خلال ألعاب رقمية عادية، وبعد فترة يُطلب منهم المضاربة والمراهنة خلال اللعب، وبعد فترة من التداول ومع تضخم المبلغ الذى يُراهنون به الضحية، تقع الكارثة. فى لحظة واحدة ينتهى كل شىء، فالمسئولون عن اللعبة يختفون ووسائل التواصل معهم تنقطع، ويفقد المشارك أمواله التى دفعها بعد ربط حسابه البنكى باللعبة، وربما يفقد أكثر من ذلك حيث يضطر البعض إلى رهن بيوتهم وبيع أثاث منازلهم من أجل الاستمرار فى اللعبة ومواصلة المراهنة مع كثرة الإغراءات بالفوز والربح السريع. الوصول إلى مواقع المراهنة تلك ليس أمرًا صعبًا، فالأغرب أنها منتشرة بكثافة على شبكة الإنترنت، ولعل أشهرها مواقع «Melbet، و1xBet، وLinebet، وMegapari، وWinWin»، وهى تغرى العملاء فى البداية بالمراهنة بمبالغ ضئيلة والذين يدفعهم الأمل إلى دفع مزيد من الأموال حتى تأتى اللحظة التى يخسرون فيها كل شىء. «الدستور» تحدثت إلى عدد من ضحايا المراهنات الإلكترونية، والذين حكوا تجاربهم المأساوية وما تعرضوا له من خداع ونصب.
عصام حجاج: عقوبة الاحتيال السجن ثلاث سنوات
قال عصام حجاج، الخبير القانونى، إن هناك طرقًا احتيالية يستخدمها بعض الأشخاص فى عملية النصب بهدف الحصول على أموال الغير بطرق غير مشروعة، وهذه العمليات تجرى غالبًا من خلال مواقع إلكترونية أو تطبيقات غير قانونية، حيث يجرى إقناع الضحايا بإرسال أموال على أساس وهمى.
وأوضح «حجاج» أن هذا الفعل يعتبر جريمة نصب، والعقوبة قد تصل إلى ثلاث سنوات سجنًا، ولكن المشكلة تكمن فى صعوبة الوصول إلى مرتكبى هذه الجرائم، رغم أن لديهم بيانات الضحايا.
وأكد أنه يجرى إصدار حكم غيابى فى حق الجانى إذا جرى تحديد هويته، وإذا تمكنت السلطات من القبض عليه، فسيخضع للمحاكمة بشكل مباشر وقد يُسجن، وفى بعض الحالات، قد يكون من الصعب الوصول إلى الجانى فى وقت مبكر، وهو ما يعرقل تنفيذ العقوبة بشكل سريع.
سعيد عامر: تطبيق إلكترونى وسيلة الاحتيال
سعيد عامر، شاب فى الثلاثينات من العمر، تلقى رسائل عبر تطبيق «تليجرام» من رقم خارج مصر، الذى أرسل إليه رسائل حاول فيها إقناعه بفكرة «التداول» أو «الاستثمار من المنزل» من خلال شراء أسهم أو عملات رقمية، مثل البيتكوين، مع وعود بعوائد مالية ضخمة تصل إلى ملايين الجنيهات.
«لو كنت مهتم جرب معانا ومش هتخسر حاجة، ووقتها هتعرف إن كلامنا صحيح وإننا مش نصابين»، كانت هذه الكلمات بوابة هؤلاء النصابين لإقناع «عامر» بالتداول والمراهنة، فقرر خوض التجربة فأرسلوا له تطبيقًا لتحميله لربطه ببطاقته الائتمانية «الفيزا».
«فى البداية منحونى مبلغًا صغيرًا وربحت ٧٠٠ جنيه»، هكذا قال الضحية، مواصلًا: «هذا جعلنى أعتقد أن الأمور تسير على ما يرام، وبعد ذلك، بدأوا يرفعون المبالغ ويحثوننى على زيادة استثماراتى، فراهنت المرة الثانية بمبلغ أكبر وصل إلى ٣٠٠٠ جنيه، ومن ثم بدأوا فى إغرائى بوعود أكبر وقالوا لى: «أنت شاطر وسريع جدًا، وبالتالى يمكنك الانتقال إلى المرحلة التالية».
وتوالت المراحل فى عملية التداول المخادعة، وكلما دفع «عامر» مبلغًا أكبر، كان النصابون يثنون عليه ويعدونه بمزيد من الأرباح، وتدريجيًا، بدأت المبالغ تتصاعد إلى أن وصل إلى مرحلة دفع ٩٥ ألف جنيه، ومع كل دفعة مالية جديدة، كانت الوعود تتزايد، والضغط لزيادة المبالغ أكثر، حتى اضطر إلى بيع أثاث منزله وانتهى به الأمر فى النهاية إلى مقاضاة أصحاب التطبيق فى محاولة منه للوصول إلى بعض حقه المنهوب.
وعلم الضحية فى النهاية أن الأمر ليس كما وعدوه به، وأن ما بدا له عملية بسيطة للاستثمار تحول إلى لعبة قمار إلكترونية تستنزف أمواله بشكل متسارع، ليكتشف فى النهاية أنه تعرض لجريمة احتيال مدروسة.
الشيخ أحمد تركى: من المحرمات حتى لو كانت «هزار»
شدد أحمد تركى، من شيوخ الأزهر الشريف، على أن المراهنات من الأمور التى تتعلق بالقضايا الأخلاقية والمالية، والتى يمكن أن تشكل خطورة على حياة الإنسان.
وأوضح «تركى»: «الشباب يتعلق بالمكاسب السريعة، مثل تلك التى تحدث من خلال بيع وشراء دون تعاملات شفافة، وينتهى الأمر بالكذب والمنفعة الوهمية، وهذا يثير تساؤلات حول الفائدة الحقيقية وراء هذه الأنشطة؛ فالفائدة التى يجرى الترويج لها ليست سوى أوهام، ويؤدى هذا النوع من السلوك إلى إنفاق الأموال فى غير موضعها الصحيح».
وأكد: «توجد آيات فى القرآن الكريم وأحاديث نبويّة شريفة تحذر من هذه التصرفات، مثل الآيات التى تحذر من الربا، إضافة إلى أن هناك أحاديث تشير إلى أن من يتعامل بالمال بطرق غير شرعية أو يختلسه من حق الآخرين فإن مصيره سيكون النار، كما جاء فى الحديث الصحيح: (رجال يتخوضون فى مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة).. وهذه النصوص تبيّن بوضوح الخطر الذى يترتب على التعامل بالمال بطريقة غير مشروعة».
وأضاف: «بعض الأفعال التى يقوم بها البعض مثل القمار أو التعامل بالمال بطرق غير واضحة، حتى فى المزاح، تعتبر خطرًا على النفس والمجتمع، كما ورد فى الحديث (من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق)، وهذا يشير إلى أنه حتى الأفعال التى قد تبدو غير جادة، مثل المزاح فى القمار، يجب أن تكون محكومة بالقيم الأخلاقية، وبالتالى، يجب أن ندرك أن مثل هذه التصرفات هى نوع من السفه وإنفاق المال فى غير موضعه، ما يؤدى فى النهاية إلى نتائج سلبية لا تقتصر على الضرر المالى فقط، بل تمتد لتشمل الإضرار بالأخلاق والمجتمع».
محمد الجمل: المباحث حررت محاضر للضحايا
شاكر محمد الجمل، خبير أمن المعلومات، كشف عن أنه كان شاهدًا عن قرب على قضية احتيال إلكترونى ضخمة، تم خلالها استهداف أحد المواطنين فى محافظة الدقهلية من قبل شبكة مروجى المراهنات عبر الإنترنت، بعد أن تم إغراؤه بالتداول والرهان مع وعود بعوائد مالية ضخمة.
وأوضح «الجمل» أن هذه المراهنات تُعتبر من أخطر الجرائم الإلكترونية التى تدمر البيوت وتستنزف الأموال، مضيفًا: «المراهنات الإلكترونية تلعب على الجانب النفسى للأفراد، خاصةً أولئك الذين يطمحون لتحقيق مكاسب سريعة دون بذل جهد، ما يجعلهم عرضة للاستغلال».
وتابع: «الشخص الذى تعرض للخداع كان قد بدأ باستثمار مبالغ صغيرة، لكن مع مرور الوقت، تم تشجيعه لزيادة المبالغ ليصل إلى أرقام ضخمة، وكان يأمل فى الحصول على عوائد ضخمة تصل إلى ملايين الجنيهات، وبدأ هذا الشخص فى بيع ممتلكات من بيته لتغطية تلك المدفوعات بسبب الطمع والرغبة فى تحقيق المكاسب السريعة التى وعدوه بها».
وأشار إلى أن العملية كانت منظمة بشكل محكم، حيث كانت شبكة المراهنات تعتمد على إغراء الضحايا بمكاسب مالية مبدئية صغيرة لجذبهم، ومن ثم كانوا يتعرضون للضغط لدفع المزيد من الأموال تحت وعود بتحقيق أرباح ضخمة.
وأضاف: «بعد دفع المبلغ المذكور، تم إيهام الضحية بأنه يجب عليه دفع ٧٠٫٠٠٠ جنيه إضافية للحصول على مكاسب أكبر تصل إلى ٣٩٥٫٠٠٠ دولار أمريكى».
وبعد تعرض الضحية للنصب، توجه لمباحث الاتصالات فى المنصورة، وهناك اكتشف أن العديد من الأشخاص قد تعرضوا لنفس الخدعة، وحولوا مبالغ كبيرة لنفس الشبكة بناءً على وعود كاذبة.
وكشف عن أن مباحث الاتصالات حررت محاضر عديدة لأشخاص آخرين تعرضوا لنفس الطريقة فى الاحتيال عبر المراهنات الإلكترونية، وبلغ إجمالى المبالغ التى تم خداعهم بها أكثر من ٣٠٠٫٠٠٠ جنيه مصرى.
وأضاف أن التحقيقات جارية لتتبع الأرقام التى تم تحويل الأموال إليها، حيث تبين أن معظم التحويلات تتم عبر عملات مشفرة مثل «البيتكوين»، ما يصعب تعقب الأموال، مشيرًا إلى أن هذه الشبكة تنشط فى مصر وفى كل دول العالم، مستغلة جهل الأشخاص بأساليب الاحتيال الإلكترونى.
ودعا إلى توعية الجمهور بأخطار المراهنات الإلكترونية والمكاسب السريعة، محذرًا من أن هذه الأنشطة لا تؤدى إلا إلى تدمير حياة الأفراد، كما شدد على أهمية الوعى التكنولوجى للحد من هذه الجرائم التى باتت تنتشر بين الشباب، الذين يتعرضون للنصب مما وصفهم بـ«المستريحين».
أحمد أبوعلى: تضر الاقتصاد وتسهل عمليات غسل الأموال
أكد أحمد أبوعلى، الباحث الاقتصادى، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريعى، أنه فى ظل الانتشار الواسع لبرامج المراهنات الإلكترونية فى مصر، تتزايد المخاوف من تأثيراتها السلبية على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام، وهذه الأنشطة، التى تعتبر غير قانونية فى كثير من الأحيان، تنطوى على مخاطر كبيرة تشمل إهدار الأموال وتحويلها بعيدًا عن الاستثمار المشروع.
وأوضح «أبوعلى»، لـ«الدستور»، أن أحد أبرز الأضرار الاقتصادية الناتجة عن هذه الممارسات هو تحويل جزء كبير من الأموال التى كان من الممكن أن تُستخدم فى مدخرات الأفراد إلى استثمارات غير مربحة، ما يقلل من قدرتهم على المشاركة فى النظام المصرفى الرسمى، وهذه الأموال، بدلًا من أن تكون جزءًا من المدخرات التى تسهم فى حركة الاقتصاد عبر القروض والتشغيل وخلق فرص عمل، يجرى استنزافها فى أنشطة غير منتجة.
وقال: «البرامج التى تروج للمراهنات الإلكترونية تثير قلقًا كبيرًا بشأن مستقبل الاقتصاد المصرى، إذ إن هذه الأنشطة تسحب أموالًا طائلة من المواطنين، وهذه الأموال كانت من الممكن أن تسهم فى النمو الاقتصادى من خلال البنوك والأنظمة المالية الرسمية، وفى الوقت نفسه، تزيد هذه البرامج من قدرة الجريمة المنظمة على غسل الأموال، فقد أصبح من الممكن ربط هذه العمليات المالية بالعملات الرقمية، ما يعقد من مهمة متابعة الأموال المشبوهة».
وتابع: «يجرى استخدام المراهنات الإلكترونية للمساعدة فى تدفق الأموال غير المشروعة عبر منصات مجهولة، بعيدًا عن رقابة السلطات، ومن هنا، أصبح من الواضح أن هذه الأنشطة تشكل خطرًا مزدوجًا.
«اتصالات النواب»: تشريعات لتجريم المراهنات وجرائم الروبوت
كشف النائب أحمد بدوى، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، عن دراسة اللجنة بعض التعديلات على قانون تقنية المعلومات، المعروف بقانون الجرائم الإلكترونية.
وقال «بدوى» إن التعديلات تشمل تجريم عدد من الأفعال، استدعت الضرورة شمولها بنص قانونى وعقابى محدد، على رأسها ممارسة المراهنات فى عدد من المجالات المختلفة، وكذلك وضع ضوابط وتشريعات حاكمة لجرائم الذكاء الاصطناعى، ووضع ضوابط للمسئولية الجنائية والمدنية لعمل الروبوت، لأول مرة.
وبيَّن أن الدولة المصرية تسير بخطوات سريعة جدًا نحو الجمهورية الجديدة وما تستتبعها من ثورة تكنولوجية متطورة، ما يحتم علينا الانتباه بضرورة الاستخدام العادل والأمثل لهذه التقنيات الحديثة.
وشدد على أنه لن تكون هناك أى قيود على عمل التكنولوجيا نفسها، قائلًا: «لن نفرض قيودًا على الإبداع، وأى تعديل سيكون بضوابط قانونية مستحدثة لم يشملها قانون العقوبات، لأنها طرأت واستحدثت مؤخرًا».
كما شدد على أن الاعتماد على المبادئ العامة التقليدية للمسئولية المدنية والجنائية، قد يصبح غير كافٍ للتعامل مع تعقيدات الجرائم الناتجة عن الذكاء الاصطناعى والروبوتات.
وأوضح أن التحديات برزت مع ظهور الأنظمة الذكية، وبات من الملزم مواكبة هذا التطوير الذى يسير بخطوات متسارعة، محذرًا من أن البشر قد يفقدون السيطرة على الذكاء الاصطناعى، ولا بد من وضع ميثاق أخلاقى لاستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة التى يمكن استخدامها بطريقة جيدة أو سيئة.