الأربعاء 27/نوفمبر/2024 - 01:31 م 11/27/2024 1:31:56 PM
في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنه مستعد لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، إلا أنه قال (سنرد بقوة على أي انتهاك) من جانب حزب الله.، بعد أن وافق مجلس الوزراء الأمني الأكثر تقييدًا على الاتفاق.. وأضاف (سننفذ الاتفاق، وسنرد بقوة على أي خرق، وسنواصل معًا حتى النصر.. بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، نحتفظ بحرية العمل العسكري الكاملة. وإذا انتهك حزب الله الاتفاق أو حاول إعادة التسلح، فسوف نضربه بشكل حاسم).. زكشف نتنياهو عن ثلاثة أسباب للسعي إلى وقف إطلاق النار، هي التركيز على إيران والاستعداد لضربتها المتوقعة، ردًا على الاعتداء الإسرائيلي الأخير على أراضيها، وتجديد إمدادات الأسلحة المستنفدة، وخصوصًا انتظار وصول عشرين ألف قذيفة من القنابل زنة ألفي رطل من واشنطن، ومنح الجيش قسطًا من الراحة لمدة ستين يزمًا داخل الأراضي البنانية في الجنوب، حيث يتمركزون الآن.. وأخيرًا، عزل حماس، الجماعة المسلحة التي أشعلت فتيل الحرب في المنطقة، عندما شنت هجومًا على إسرائيل من غزة في السابع من أكتوبر من العام الماضي، بما يسمى فصل الساحات العسكرية بين حماس وحزب الله.. وأشار نتنياهو إلى أن حزب الله، الذي تدعمه إيران ويتحالف مع حماس، أصبح أضعف بكثير مما كان عليه في بداية الصراع، (لقد أعادناها عقودًا إلى الوراء، وقمنا بتصفية قادتها الكبار، ودمرنا معظم صواريخها وقذائفها، وحيدنا آلاف المقاتلين، ومحونا سنوات من البنية التحتية للإرهاب بالقرب من حدودنا.. لقد استهدفنا أهدافًا استراتيجية في مختلف أنحاء لبنان، وهززنا بيروت حتى الصميم).
أوقفت إسرائيل وحزب الله إطلاق النار، بموجب اتفاق يهدف إلى إنهاء أكثر من عام من الأعمال العدائية، التي أشعلها الصراع في غزة، الذي تصاعد قبل شهرين، عندما شنت إسرائيل هجومًا على مواقع الحزب في لبنان، واستهدفت حتى المنشآت المدنية وسط بيروت وفي الشمال اللبناني، وقتلت قرابة أربعة آلاف شخص في لبنان وجرحت ما يزيد على الخمسة عشر ألفًا منذ أكتوبر 2023، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية، حتى الرابع والعشرين من نوفمبر الحالي.. ولا تُفرق الأرقام هنا بين مقاتلي حزب الله والمدنيين.. ولم يتبين بعد عدد القتلى في صفوف حزب الله.. إلا أن الجماعة أعلنت عن مقتل نحو خمسمائة من مقاتليها في المعارك، حتى اللحظة التي شنت فيها إسرائيل هجومها في سبتمبر الماضي، ولكنها توقفت عن الإعلان عن ذلك عند تلك النقطة.. لكن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، والذي تربطه علاقات عميقة بالمؤسسة العسكرية، يؤكد أن حزب الله خسر نحو ألفين ونصف الألف من عناصره.. وفي المقابل، أدت غارات حزب الله إلى مقتل خسة وأربعين مدنيًا في شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان المحتلة من قِبل إسرائيل.. بينما قُتل ما لا يقل عن ثلاثة وسبعين جنديًا إسرائيليًا في شمال إسرائيل، ومرتفعات الجولان، وفي معارك في جنوب لبنان، وفقًا للسلطات الإسرائيلية.
في لبنان، تقدر تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن بنحو 2.8 مليار دولار، مع تدمير أكثر من تسة وتسعين ألف وحدة سكنية جزئيًا أو كليًا، وفقًا لتقرير البنك الدولي.. وفي الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، معقل حزب الله، أدت الغارات الإسرائيلية إلى هدم ما لا يقل عن 262 مبنى، وفقًا لمختبر بيروت الحضري التابع للجامعة الأمريكية.. وألحق الجيش الإسرائيلي أيضًا أضرارًا واسعة النطاق في قرى وبلدات في سهل البقاع وجنوب لبنان، وهما منطقتان يسيطر عليهما حزب الله.. وقدَّر تقرير البنك الدولي الأضرار التي لحقت بالزراعة بنحو 124 مليون دولار، مع خسائر تزيد على 1.1 مليار دولار، بسبب فقدان الحصاد الناجم عن تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين.
وفي إسرائيل، تقدر السلطات الإسرائيلية الأضرار التي لحقت بالممتلكات بنحو 273 مليون دولار على الأقل، مع تضرر أو تدمير آلاف المنازل والمزارع والشركات.. ووقع الجزء الأكبر من الأضرار في إسرائيل، في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية، التي تعرضت لقصف صاروخي من قبل حزب الله.. وتقول السلطات الإسرائيلية إن نحو خمسة وخمسين ألف فدان من الغابات والمحميات الطبيعية والحدائق والأراضي المفتوحة في شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان، تعرضت للحرق منذ بداية الحرب.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، نزح أكثر من 886 ألف شخص داخل لبنان حتى 18 نوفمبر الحالي. وأظهرت بيانات المفوضية أن أكثر من 540 ألف شخص فروا من لبنان إلى سوريا منذ بدء الحرب.. وفي إسرائيل، تم إخلاء نحو ستين ألف شخص من منازلهم في الشمال.. وفي تقرير صدر الشهر الحالي، قدم البنك الدولي تقديرًا أوليًا للأضرار والخسائر التي لحقت بلبنان بقيمة 8.5 مليار دولار.. ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبنان بنسبة 5.7% عام 2024، مقارنة بتقديرات النمو قبل الصراع البالغة 0.9%.. وتكبد قطاع الزراعة خسائر تجاوزت 1.1 مليار دولار، خلال الأشهر الإثني عشر الماضية، بسبب تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين، خصوصًا في المناطق الجنوبية.. وكانت السياحة والضيافة، وهما من القطاعات الرئيسية المساهمة في الاقتصاد اللبناني، الأكثر تضررًا، حيث بلغت الخسائر 1.1 مليار دولار، وفقًا للبنك الدولي.
بالنسبة لإسرائيل، أدى الصراع مع حزب الله إلى تفاقم التأثير الاقتصادي للحرب في غزة، مما أدى إلى إجهاد المالية العامة.. ارتفع العجز في الميزانية إلى ما يقرب من 8% من الناتج المحلي الإجمالي، مما دفع وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى إلى خفض تصنيف إسرائيل هذا العام.. كما أدى الصراع إلى تفاقم اضطرابات سلسلة التوريد، مما دفع التضخم إلى 3.5%، وهو ما يتجاوز نطاق هدف البنك المركزي الذي يتراوح بين 1% و3%.. وردًا على ذلك، حافظ البنك المركزي على أسعار فائدة مرتفعة لكبح التضخم، مما أدى إلى إبقاء أسعار الرهن العقاري مرتفعة، وإضافة المزيد من الضغوط على الأسر.
●●●
تضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، على ثلاثة عشر بندًا، تقضي بأن.. حزب الله وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية، لن تقوم بأي عمل هجومي ضد إسرائيل.. وفي المقابل، لن تنفذ إسرائيل أي عملية عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك من البر والجو والبحر.. وتعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.. يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الذاتي ضمن أطر المواثيق الدولية.. القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان، ستكون الجهة المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو استخدام القوات في جنوب لبنان.. وكل بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة، أو المواد المتعلقة بالأسلحة إلى لبنان، سيكون تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية.. كما سيتم تفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلقة بها.. سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، وستتم مصادرة أي أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذه الالتزامات.. وسيتم تشكيل لجنة مقبولة على إسرائيل ولبنان، للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.. وستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أي انتهاك محتمل لهذه الالتزامات، إلى اللجنة وقوة (اليونيفيل)، القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان.. ستنشر لبنان قواتها الأمنية الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود، ونقاط العبور، والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية وفقًا لخطة الانتشار.. ستقوم إسرائيل بسحب قواتها تدريجيًا من الجنوب باتجاه الخط الأزرق خلال فترة تصل إلى ستين يومًا.. وأخيرًا، ستدفع الولايات المتحدة لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان، من أجل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البرية.
وردًا على الاتفاق، تظاهرت عدة منظمات إسرائيلية، بما في ذلك مجموعات مهتمة باستيطان لبنان، وتلك التي تُمثل سكان الشمال، وغيرها من المنظمات اليمينية، أمام مقر جيش الدفاع الإسرائيلي في تل أبيب، احتجاجًا على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.. حملت المتظاهرون شعارات (الاتفاق = الدمار)، و(وقف اتفاق الاستسلام في لبنان)، و(النداء الأخير لإنقاذ الجليل).. ولا تستبعد مصادر في مؤسسة الجيش إمكانية أن يؤدي توقيع اتفاق بين لبنان وإسرائيل بشكل مُلزم لحزب الله، إلى تحقيق اختراق في المفاوضات مع حماس لإطلاق سراح الرهائن، بما في ذلك إبقاء ممر فيلادلفيا في أيدي إسرائيل..
وقد زاد حزب الله من وتيرة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة والقذائف تجاه الجبهة الداخلية الإسرائيلية، خلال الأسبوع الماضي.. خصوصًا وأن الاتفاق يقضي بنقل حزب الله أسلحته الثقيلة إلى الشمال من نهر الليطاني.. وبحسب ضباط في القيادة الشمالية الإسرائيلية، فإن هذا يأتي في محاولة (لإبرام اتفاق نهائي في الوعي الإسرائيلي، ولإضفاء بعض الراحة.. فالجميع كانوا يدركون أنه في غضون أيام، سوف يتم التوصل إلى اتفاق).. وقالت مصادر في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إن الإدارة الأمريكية الحالية تضغط من أجل التوصل إلى اتفاق، والإدارة المقبلة تنتظر ذلك، إلى جانب موافقة اللبنانيين، (إذا لم يوقعوا على الاتفاق الآن، فسيحدث ذلك بعد وقت طويل).
من جانبه، طالب رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، المجتمع الدولي بـ (تنفيذ فوري) لوقف إطلاق النار، منددًا بالقصف (الهستيري) الذي طال العاصمة بيروت أمس الثلاثاء.. وكانت الحكومة اللبنانية قد قالت في وقت سابق، إنها ستعقد اجتماعًا صباح الأربعاء لإقرار اتفاق لوقف إطلاق النار.. وعلى الجانب الأمريكي، تحدث الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن كيف ساعدت الولايات المتحدة في تأمين وقف إطلاق النار في لبنان، وإنهاء القتال بين إسرائيل وحزب الله.. وكان موقع AXIOS الإخباري الأمريكي، قد نقل في وقت سابق، عن مسئول أمريكي كبير، إن إسرائيل ولبنان توصلتا إلى شروط لإنهاء الصراع، وإنه من المتوقع أن توافق إسرائيل على المقترح الثلاثاء.. ووفقًا لما تتداوله وسائل إعلام، خصوصًا الإسرائيلية منها، فإن الجيش الإسرائيلي سيسحب بموجب الاتفاق، جنوده من لبنان، بينما يسحب حزب الله مقاتليه وأسلحته، إلى ماوراء نهر الليطاني، الواقع على بعد حوالي ثلاثين كيلو مترًا من حدود لبنان مع إسرائيل.. ووفقًا للقناة الثانية عشر الإسرائيلية، فإن الاتفاق ينص أيضًا على وقف إطلاق النار المُتبادل، وعدم وجود منطقة عازلة، تحتلها إسرائيل في جنوب لبنان، لكن القناة تضيف أن القوات الإسرائيلية، ستحافظ على وجودها في لبنان، لمدة تصل إلى ستين يومًا، وستُشرف الحكومة اللبنانية على شراء وإنتاج الأسلحة في البلاد، حيث يحل جيشها محل الجيش الإسرائيلي أثناء انسحابه.
ووفقًا للاتفاق، فإن الولايات المتحدة، ستتولى رئاسة لجنة من خمس دول، لمراقبة وقف إطلاق النار، وتقول التقارير إنها ستصدر خطابًا يعترف بحق إسرائيل، في مهاجمة لبنان إذا اعتُبر حزب الله مُنتهِكًا للاتفاق.. وتشير صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، إلى أن الاقتراح سيتضمن ثلاث مراحل: هدنة يتبعها سحب حزب الله لقواته شمال نهر الليطاني، وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وأخيرًا مفاوضات إسرائيلية ـ لبنانية، بشأن ترسيم المناطق الحدودية المتنازع عليها.
وتُوجِز صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، ثلاثة أسباب، ترى أنها جعلت الاتفاق ممكنًا بالنسبة لإسرائيل، وهي: ضغط الإدارة الأمريكية الحالية ودعم الإدارة القادمة، و(دون اتفاق كنا سنواجه قرارًا بوقف الحرب من قبل مجلس الأمن).. استراحة القوات في الاحتياط، التي استُنزفت بين لبنان وغزة على مدار عام كامل، والحاجة إلى التزود بالذخيرة.. الفصل بين غزة ولبنان، وقطع العلاقة بين الساحتين، وإبقاء حماس وحدها في المعركة، مع مضاعفة الضغط العسكري، وإرسال قوات إلى غزة، وبالتالي فتح أفق لصفقة تُعيد الأسرى.. وبجانب ما ذكرته (يديعوت أحرونوت) من أسباب، فإن مراقبين يتحدثون أيضًا عن التطوّرات الميدانية، التي شهدتها الأيام الماضية من الحرب، إذ نفَّذ حزب الله عمليات استثنائية، وصلت إلى خمسين عملية في يوم واحد، هو يوم الأحد الرابع والعشرين من نوفمبر، وطال معظمها مساحة واسعة من العمق الإسرائيلي.. ويضيف المراقبون إلى ذلك، ما سُرِّب حول تهديد واشنطن بالانسحاب من المفاوضات، في حال لم يتم التوصل لاتفاق على وجه السرعة.
على الجانب الآخر، يُثار نفس التساؤل، حول الأسباب التي دفعت حزب الله، إلى قبول اتفاق من هذا القبيل؟.
يرى جانب كبير من المراقبين، أن الحزب بات يواجه تحديات كبيرة، خصوصًا على مستوى الجبهة الداخلية، مع ماطال لبنان من تدمير إسرائيلي، وبروز أصوات في لبنان، تتهم الحزب بأنه جر الدمار على البلاد، وفي خضم ذلك، جاءت الضغوط الأمريكية المتزايدة على الحزب، الذي كان قد فوَّض رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتفاوض مع الأمريكيين نيابةً عنه، وقد بدا أن الحزب وجد نفسه، في مواجهة ضغوط مُتفاقمة، للاستجابة للمبادرة والقبول بوقف إطلاق النار، مدفوعًا بالخسائر الهائلة التي تكبدها لبنان، جراء القصف الإسرائيلي المستمر، منذ أكثر من عام، والذي أسفر، بجانب التدمير المادي، عن خسائر على الجبهة الاقتصادية، تجاوزت وفق بعض التقديرات، الخمسة مليارات دولار، في وقت يعاني فيه لبنان، حتى من قبل الحرب، من أزمة اقتصادية خانقة، وكل ذلك، من وجهة نظر المراقبين، جعل الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، أمرًا مُلحًا وضروريًا في هذا الوقت.
●●●
هنا يتساءل البعض: هل يعني اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، نهاية للقتال أم التقاط للأنفاس؟.
كما تثير المواقف الأولية لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، الذي حظي بدعم من القادة الإسرائيليين، كما أشار قادة حزب الله إلى دعم مبدئي للاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، الآمال بوقف الحرب، إلا أنها تجدد الأسئلة الصعبة في منطقة تجتاحها الصراعات.. هل ينهي الاتفاق القتال الذي دام أكثر من عام عبر الحدود، والذي قتلت القوات الإسرائيلية خلاله قرابة الأربعة آلاف شخص لبناني، غالبيتهم مدنيون، ودفعت أكثر من 1.2 مليون لبناني خمسين ألف إسرائيلي إلى الفرار من منازلهم؟.
يرى مراقبون، أن الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في الساعة الرابعة صباح اليوم الأربعاء ـ الثانية فجرًا بتوقيت جرينتش ـ قد يُهدئ بشكل مؤقت التوترات التي أشعلت المنطقة، إلا أنه قد لا يفعل الكثير بشكل مباشر، لحل الحرب الأكثر دموية التي اندلعت في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.. ويأتي الاتفاق بعد أشهر من القصف عبر الحدود، وتستطيع إسرائيل أن تزعم (تحقيق انتصارات كبرى)، منها اغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، ومعظم كبار قادته، وتدمير البنية التحتية للحزب على نطاق واسع.. كما أثار الهجوم المعقد في سبتمبر الماضي، الذي شمل انفجار مئات من أجهزة الاتصال اللاسلكي وأجهزة النداء التي يستخدمها حزب الله، الشكوك بشأن اختراق ملحوظ للحزب.. لذلك، يرى البعض أن الضرر الذي لحق بحزب الله لم يقتصر على صفوفه، بل شمل السمعة التي بناها من خلال قتال إسرائيل حتى حرب عام 2006.
وعلى الرغم مع ذلك، تمكن مقاتلو الحزب من إظهار مقاومة شديدة على الأرض، مما أدى إلى إبطاء تقدم إسرائيل، مع الاستمرار في إطلاق مئات الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة من حزب الله،عبر الحدود كل يوم.. لذلك يعتقد المراقبون، أن وقف إطلاق النار يوفر الراحة لكلا الجانبين، مما يمنح جيش إسرائيل المُنهك استراحة، ويسمح لقادة حزب الله بالفخر لحفاظهم على أرضهم، على الرغم من الميزة الهائلة التي تتمتع بها إسرائيل في الأسلحة.. وهنا، يقول أحد زعماء حزب الله، إن دعم الحزب للاتفاق يتوقف على التأكيد أن إسرائيل لن تجدد هجماتها.. وفي حديثه لقناة (الجزيرة)، قال محمود قماطي، نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله، (بعد مراجعة الاتفاق الذي وقعته حكومة العدو، سنرى ما إذا كان هناك تطابق بين ما ذكرناه وما اتفق عليه المسئولون اللبنانيون.. نريد نهاية للعدوان بالطبع، ولكن ليس على حساب سيادة الدولة في لبنان).. وحتى الآن، أصر حزب الله على أنه لن يوقف هجماته على إسرائيل إلا عندما توافق على وقف القتال في غزة.. ومن المرجح أن ينظر البعض في المنطقة إلى الاتفاق بين الحزب وإسرائيل على أنه (استسلام).
وفي غزة، حيث يقول مسئولو حماس، إن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر 2023 أسفر عن استشهاد أكثر من أربعة وأربعين ألف فلسطيني، يرى الجيش الإسرائيلي أنه ألحق خسائر فادحة بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بما في ذلك اغتيال كبار قادتها.. لكن مقاتلي الحركة يواصلون احتجاز عشرات الأسرى الإسرائيليين، مما يمنح الجماعة المسلحة ورقة مساومة، إذا استؤنفت مفاوضات وقف إطلاق النار غير المباشرة.. ومن المرجح أن تستمر حماس في المطالبة بهدنة دائمة، وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، في أي اتفاق من هذا القبيل.
وبينما طالبت إسرائيل بـ (الحق في التصرف) إذا انتهك حزب الله التزاماته، رفض المسئولون اللبنانيون ذلك.. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن الجيش الإسرائيلي سيضرب حزب الله إذا لم يتوفر (تطبيق فعَّال للاتفاق).. وهذا ما وعدت الولايات المتحدة بضمان تحقيقه لإسرائيل، إذا رأت من حزب الله ما يمكن أن تعتبره تل أبيب إختراقًا للاتفاق، وهو وعد فضفاض، يكمن الشيطان في تفاصيله، ويُعد (مسمار جحا) الإسرائيلي في الجدار اللبناني.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.