يوم الخميس ٢١ نوفمبر الجارى، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى، نتنياهو، ووزير دفاعه الأسبق جالانت، وجاء القرار على أرضية اتهام «الاثنين» بارتكاب «جريمة حرب تتمثل فى التجويع»، و«الجرائم التى ارتكبت ضد الإنسانية متمثلة فى القتل والاضطهاد، وغيرهما من أعمال لا إنسانية».
ولا شك أن قرار المحكمة يمثل انتصارًا إضافيًا للشعب الفلسطينى، وتأكيدًا أن تضحياته لم تذهب هباءً، بعد أن عرّت تلك التضحيات أمام العالم كله الأكاذيب التى تقنّعت بها إسرائيل بشأن أنها دولة يحيط بها الأعداء، وأنها تحتضن شعب الله المضطهد الذى أقام «واحة الديمقراطية» فى العالم العربى.
لقد عَرّت الدماء الفلسطينية كل الأكاذيب، وها هى المحكمة الجنائية تؤكد ذلك بقرار اعتقال نتنياهو، وهى المحكمة التى تأسست فى ٢٠٠٢، ووقعت على إنشائها مائة وإحدى وعشرون دولة، ويقع مقرها فى هولندا، وهى مستقلة قانونًا عن الأمم المتحدة، وينحصر اختصاصها فى النظر فى جرائم الحرب.
ورغم أن قرار المحكمة شمل بالاعتقال أحد قادة حماس «للتوازن»، وهو إبراهيم المصرى، فإن الضربة الحقيقية نزلت على إسرائيل، وكانت أشد ما تكون إذا وضعنا فى اعتبارنا تأييد الاتحاد الأوروبى القرار، حسب تصريح جوزيب بوريل، الذى قال إن هذا «ليس قرارًا سياسيًا، بل قرار محكمة، ويجب أن يُحترم وينفذ».
كما لاقى القرار تأييد ترحيب هولندا التى صرح وزير خارجيتها بأنها: «مستعدة للتحرك بناء على قرار الاعتقال»، وانضمت السويد إلى الترحيب بالقرار على لسان وزيرة خارجيتها التى أعلنت أن استوكهولم: «تدعم عمل المحكمة»، كما صرح رئيس الوزراء الكندى بقوله إن: «بلاده ستلتزم بكل أحكام المحكمة الدولية»، ودائرة الترحيب الدولية أكبر من ذلك.
وبداهة، لم يعترض على قرار المحكمة سوى أمريكا وعدة دول أخرى، وبذلك الصدد ندد الرئيس الأمريكى، بايدن، بقرار المحكمة، وعده، حسب قوله، «أمرًا شائنًا»، وأضاف: «وسوف نقف دومًا إلى جانب إسرائيل ضد كل التهديدات التى تمس أمنها»، كما أعلن رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان عن أن قرار المحكمة «وقح ومُقنّع بأغراض قضائية، لكنه لأغراض سياسية»، وأنه سيدعو نظيره الإسرائيلى إلى زيارة المجر فى تحدٍ لذلك القرار.
وتوضح كل تلك العاصفة من ردود الأفعال أهمية القرار، خاصة أن المحكمة لم يسبق لها أن أصدرت الكثير من مثل تلك القرارات، ومن ذلك مذكرة اعتقال الرئيس السودانى عمر البشير فى ٢٠٠٩، وحينذاك دعمت أمريكا القرار بتصريحها: «نرحب بالقرار وندعمه»، كما صدرت مذكرة مماثلة باعتقال معمر القذافى وابنه سيف الإسلام فى ٢٠١١، ورحبت أمريكا بذلك فى حينه.
وعندما صدر قرار المحكمة باعتقال الرئيس الروسى بوتين فى مارس ٢٠٢٣، صرحت أمريكا: «نرحب بالقرار وندعمه»، أما عن نتنياهو مجرم الحرب العريق، فقد أعلنت أمريكا: «نرفض القرار رفضًا قاطعًا، كما أن المحكمة لا تتمتع بولاية قضائية».
لكن ذلك كله لن ينفى أن نتنياهو وسياساته الإجرامية أصبحت فى قفص الإدانة الدولية، بعد أن أدانها الضمير العالمى الإنسانى فى كل بقعة، وهى إشارة بالغة الأهمية على الحصار الذى تعانى منه القاعدة الاستعمارية العسكرية التى غرزت فى قلب بلادنا.