في ذكرى رحيله..
114 عاما مرت على وفاة الروائي الروسي ليو تولستوي، الذي رحل عن عالمنا في 20 نوفمبر لعام 1910، تاركا إرثا كبيرا من الأعمال الأدبية، وأصبح من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، وأطلق عليه البعض أنه أعظم الروائيين على الإطلاق، ومن أشهر أعماله روايتي "الحرب والسلام"، و"أنا كارنينا" وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي، إذ يعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية.
في عام 1844، قبل ليو تولستوي طالبا في كلية اللغات الشرقية بجامعة كازان - قسم اللغتين التركيّة والعربيّة، ولقد اختار هذا الاختصاص لسببين؛ الأول لأنّه أراد أن يصبح دبلوماسيا في منطقة الشرق العربي، والثاني لاهتمامه بآداب شعوب الشرق، وعلى الرغم من أنه كان شغوفا بالقراءة منذ طفولته، إلا أنه لم يستطع التركيز في دراسته عندما أصبح طالبا، ومع ذلك فقد أنغمس تماما في الحياة الاجتماعية بالجامعة، وبعد أن فشل في امتحانات السنة الأولى، قرر أن يغير اتجاهه ويدرس القانون، وكانت البداية في ذلك أكثر تبشيرا بالنجاح.
ولكن ما أن حل عام 1847، حتى كان ليو تولستوي قد قرر ترك الدراسة دون أن يحصل على شهادته الجامعية، بعد أن جاءته الأنباء بأن تقسيم أملاك الأسرة قد جعلته يرث إقطاعية كبيرة فيها أكثر من 330 عائلة فلاحية.
كان شقيقه نيكولاس الذي كان يخدم في الجيش الروسي بالقوقاز قد عاد إلى بلده ليقضي إجازته، وعندما رجع إلى مقر عمله، قرر ليو تولستوي أن يصاحبه، تاركا إقطاعيته في رعاية زوج شقيقته ماريا، وعندما وصل مع شقيقه إلى القوقاز عام
1851، ما لبث أن أغرم بمشهد الجبال الجميلة هناك، وبعد تسعة أشهر من سفره انضم إلى الفرقة الروسية القوقازية في القتال ضد قبائل السهول التتارية، وقد سجل جانبا كبيرا من انطباعاته التي كونها خلال تلك الفترة في روايته "الحرب والسلام"، كما شارك في بعض المعارك ضد جيش المريدين بقيادة الإمام شامل.
أعمال ليو تولستوي
وفي تلك المرحلة الأولى من حياته ألف ثلاثة كتب وهي "الطفولة" 1852، "الصبا" 1854، و"الشباب" 1857، واستمر في عمله كجندي حتى 1855، حيث اشترك في حرب القرم، ولكنه عاد إلى سان بترسبورج عام 1855، بعد سقوط سيباستوبول، ولقد أحب بلاد القوقاز وأثرت فيه حياة شعوب القوقاز وكتب عن تجاربه تلك موضوعات نُشرت في الصحف، وألَّف عنها كتابه "القوزاق" عام 1863 الذي يحتوي على عدة قصص.
وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية سافر إلى أوروبا الغربية وأعجب بطرق التدريس هناك، ولما عاد لمسقط رأسه بدأ في تطبيق النظريات التربوية التقدمية التي عرفها، وذلك بأن فتح مدرسة خاصة لأبناء المزارعين، وأنشأ مجلة تربوية تدعى ياسنايا بوليانا شرح فيها أفكاره التربوية ونشرها بين الناس.
وفي عام 1857، زار سويسرا ثم ذهب إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في الفترة من عام 1860، وحتى نهاية 1861، وكان مهتما بإقامة المدارس، وأصبح معنيا بوجه خاص بمشكلة تعليم أولئك الذين فاتتهم فرصة التعلم في الصغر، وكذلك اختلط ليو تولستوي بالمزارعين وتعلم أساليبهم في العمل، ودافع عنهم ضد المعاملة السيئة من جانب ملاك الأراضي، وبعد ذلك الوقت لم يغادر إقطاعيته بوليانا على الإطلاق.
تناول ليو تولستوي في كتابه "الحرب والسلام"، مراحل الحياة المختلفة، كما يصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا خلال الفترة ما بين 1805 و1820، وتناول فيها غزو نابليون لروسيا عام 1812، ومن أشهر كتبه أيضًا "أنا كارنينا" الذي عالج فيه قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية في شكل مأساة غرامية كانت بطلتها هي أنَّا كارنينا، ومن مؤلفاته أيضًا كتاب"ما الفن؟" وأوضح فيه أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقيًا، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، ولا بد أن يكون الفن بسيطًا يخاطب عامة الناس.
وفي أواخر حياته عاد ليو تولستوي لكتابة القصص الخيالية، فكتب "موت إيفان إيلييتش" 1886، كما كتب بعض الأعمال المسرحية مثل "قوة الظلام" 1888، ومن أشهر أعماله التي كتبها في أواخر حياته كانت "البعث" وهي قصة كتبها 1899 وتليها في الشهرة قصة "الشيطان" 1889، "سوناتا كرويتزر" 1891، "الحاج مراد"، وقصة "الأب سيرغي" التي نُشرت بعد وفاته والتي توضح عمق معرفته بعلم النفس، ومهارته في الكتابة الأدبية ومدى حبه ومعرفته بالقفقاس وقد اتصفت كل أعماله بالجدية والعمق وبالطرافة والجمال.
ليو تولستوي والأدب العربي
وأضمر الكاتب الروسي ليو تولستوي احتراما خاصا للأدب العربي، والثقافة العربية، والأدب الشعبي العربي، فعرف الحكايات العربية منذ طفولته، وعرف حكاية "علاء الدين والمصباح السحري"، وقرأ "ألف ليلة وليلة"، وعرف حكاية "علي بابا والأربعون حرامي"، وحكاية "قمر الزمان بين الملك شهرمان"، وتعود علاقته الأولى بالأدب الشعبي العربي إلى عام 1882، فلقد نشر في ملحق مجلته التربوية "يا سنايا بولياناة، بعض الحكايات العربية الشعبية، ويظهر تأثر ليو تولستوي بـ"ألف ليلة وليلة" في روايته "لحن كريستر"، وأيضا يذكر أنه تراسل مع الإمام محمد عبده ولكن توفى الاثنان ولم يكملوا تحاورهم بعد رسالتين فقط.