قد نجد اسمه ما زال يتردّد على أفواه تلامذة مؤسسة ابتدائية.. وبين آباء وأولياء أمورهم دون أن يثير ذلك فضول أحدهم لمعرفة هذا الإسم الذي تحمله هذه المدرسة بتجزئة الحسنية أنزا – أكادير..
وقد لا يعني أيّ شيء ممن توثّلوا بقرار التّعيين من أطرها.. وقس على ذلك كل الوثائق الرّسمية ذات الطابع التراسلي من المؤسسة وإدارتها من الإقليمي إلى الوطني
لكن هو زسم صامد في الذاكرة والوجدان خصوصاً أبناء جيل ستينيات القرن الماضي وما فوق.. حتّى أنّ رفاقه في التجربة الجماعية للمدينة ذات زمان فكّروا في بناء مدرسة ابتدائية تحمل اسمه تخليداً لبصمته وعرفانا لدوره الفّعال في بناء إنسان المدينة في سقفزمنيّ استثنائي أقصاه 39 سنة..
بين الصرخة الأولى بالمحمدية 1952 كشهادة ميلاد الصرخات التي امتدّت إلى قلعة أنزا طفلاً بالإبتدائي هناك والإعدادية الوحيدة بأكادير ليختار الشعبة العادية كمسلك توجيهي يؤدي آنذاك مباشرة إلى المدرسة العليا للأساتذة بعد البكالوريا
كان مؤتمر إيفران حول التعليم سنة 1970 مؤتمر شؤم للفقيذ محمد أخويبي بقرار حذف هذا المسلك وتوجيه كل تلامذة هذه الشعبة نحو مراكز المعلّمين..
بجبال ” إمينتانوت” ومن خلال الممارسة اتضحت الرؤية والقناعة لدى الشاب أخويبي هناك بأن التعليم هو المدخل الوحيد لبناء قدرات الإنسان لمواجهة واقعه والتغيير فيه ليفهم من خلالها ان رسالة المعلم تتجاوز الأجرة والوظيفة والإمتياز الإجتماعي نحو دوره الطلائعي في القيادة والتأطير.. وهو بهذا النضج في عنفوان شبابه سادت الاقدار ان يتعرّض لكسر في يده دون أن تنكسر عزيمته الصلبة لبحوّل مدّة الرخصة الطّبية النصف الشهرية إلى فرصة الإعداد لشهادة البكالوريا التي بواسطتها تخرّج من المركز الجهوي استاذاً للغة الفرنسية بامتياز وعاد إلى حيّه الأصلي قرب العمّال وبجوارهم.. ومازال تلامذة إعدادية ابن خلدون بانزا وسط سبعينيات القرن يتذكّرون وإلى الآن فضل الفقيد في تحسين مستواهم في اللغة الفرنسية عبر دروس الدّعم المجانيّة.. بل وفي الموقف البطولي لمنع قرار طرد البعض ممن أطّروا إضراباً محليّاً وهي نفس الفترة التي عرفته جماهير القوّات الشعبية المنادي بالحرية والتغيير
بعد سنتين سيؤدي الضريبة الأولى بسبب مواقفه السياسية ليتم ّ اعتقاله مع قرار الطرد من الوظيفة عقب الإضراب الوطني لرجال التعليم 10-11 أبريل 79 كأحد رموز الحركة النقابية بالإقليم..
هي خمس سنوات عمْر مهمته كأستاذ كانت كافية كي يبصم مساره المهني بهذه القلعة المناضلة.. فمن القسم مباشرة إلى مقر النقابة بتلبرجت مؤطراً.. منها إلى حبّ العمّال مقاوماً الأميّة.. إلى مؤازرة مناضل هنا. ومسعداً الآخر هناك..
خدوم حدّ الإجهاد.. معاون ومناصر حتّى أصبح عنواناً لملّ المحتاجين مادبّاً ومعنويا..
تلك بصماته كأستاذ رغم قصر المسافة… لذلك لم يتأثر بقرار الطرد أبداً بل احتضنته جماهير العمّال وأسدقاؤه من طلبة الحي الجامعي بالبيضاء حين قرر ان يتابع دراسته الجامعية في الشعبة السياسية والقانونية ولمدة ثلاث سنوات وهي مدة الحصول على الإجازة كانت كل شروط التكافل بالأكل والإيواء متوفرة كعربون محبة وتقدير ووفاء لمواقفه الإنسانية السابقة
ليعود إلى أنزا هذه المرة بقبعة المحامي بعد مدة تدريب ليعتقل من جديد على ضوء الصراع الداخلي لحزب القوات الشعبية 83..
وحتّى بعد خروجه أسّس ” هيئة المحامين الشباب” وحوّل مكتبه إلى مقرّ دائم لكل القضايا العمالية وعموم المأجورين حتى أصبح بذاك الإحتكاك اليومي من أكبر المراجع الوطنيّة في تخصص قانون الشغل..
وأصل صرخاته ضد الظلم والتهميش والإستغلال عبر الترافع بمختلف قاعات المحاكم عبر التراب الوطني حدّ أن لقّب بمحامي الشعب قبل أن يعرف هذا النعت بسنوات
بقى راقفاً كالشجرة صامدا أمام كل العواصف.. متجدّرا في تربة الشعب الذي احتضنت ذات أزمات
مقاوماً كلّ أساليب الترهيب والترغيب بحصانة المناضل وجسارة الثوري وقناعة المتصوّف
هي الشخصية الأنزاوية الإستثنائية بكل المقاييس وعلى مستويات ذاتية عصاميّة.. اجتماعية إنسانية
أو على مستوى مواقفه السياسية والنقابية والتأطيرية لتكون اللغة عاجزة على ضبط ايقاعاتها
هي الرّوح العالية الصادقة التي لم يستطع أيّ جسد ان يتحمّلها
هو الجسد الذي انسحب ذات يوم 29 أكتوبر 1991
ليبقى الإسم حيّاً.. متداولاً بين ناشئة المستقبل كما في ذاكرة الحيّ والمدينة خالداً كيوم 29 أكتوبر تاريخ اختطاف عريس الشهداء ” المهدي بن بركة”
يوسف غريب