جاء الخطاب الملكي لجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية، في سياق وطني ودولي حساس، ليؤكد على أهمية وضع خريطة طريق واضحة للمستقبل، تجمع بين التقييم الصادق لما تحقق من إنجازات والتهيؤ لمواجهة التحديات المقبلة، فالخطاب لم يكن مجرد احتفال رمزي بالمكاسب الدبلوماسية والتنموية، بل هو نداء للاستمرار في العمل الجماعي والتعبئة الشاملة. و يربط الخطاب بين الوحدة الوطنية و التنمية المستدامة، مشيرًا إلى ضرورة وضع المواطن المغربي في صلب العملية التنموية، وخاصة في الأقاليم الجنوبية.
و في ظل الاعتراف المتزايد بعدالة قضية المغرب، نوه جلالة الملك بالاعتراف الفرنسي الصريح بمغربية الصحراء، مؤكدا أن الموقف الفرنسي بمثابة انتصار ” للحق والشرعية، و يعترف بالحقوق التاريخية للمغرب، لاسيما أنه صدر عن دولة كبرى، عضو دائم بمجلس الأمن، وفاعل مؤثر في الساحة الدولية” .و شرح جلالته أن المغرب بات يوظف دبلوماسية فاعلة بمقاربة مندمجة تعتمد على الحجج السياسية والقانونية والتاريخية، كما أشار الخطاب الملكي إلى ضرورة مواصلة هذا الزخم وضمان استمرار وتوسع الشراكات الدولية في التوسع، و تحقيق المزيد من المكاسب الدبلوماسية حتى تتراجع “الدول القليلة، التي ما زالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ. الخطاب كان واضحًا في دعوته إلى استمرار التعبئة واليقظة، مشددًا على أهمية العمل المؤسسي المنظم بين الجهات الرسمية والمدنية، وعلى دور البرلمان والدبلوماسية الحزبية في الدفاع عن المصالح الوطنية. كما دعا الملك إلى الاستفادة من النجاحات السابقة لتعزيز المستقبل، مع التركيز على التخطيط المستقبلي المبني على الكفاءة والابتكار.
وصف جلالة الملك آلية الدبلوماسية الموازية بالركيزة الأساسية في الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، منوها بدور الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، والبرلمان، الذين يلعبون دورًا محوريًا في التواصل مع الشركاء الدوليين والتأثير في مواقف الدول الأخرى. كما تطرق الخطاب الملكي إلى أهمية المجتمع المدني في التصدي لمناورات الأعداء، والدفاع عن الحقوق الوطنية. الخطاب أكد أن المجتمع المدني يُعتبر شريكًا فاعلًا في تعزيز التنمية المحلية في الأقاليم الجنوبية من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والأنشطة الاقتصادية التي تبرز الموروث الثقافي للمنطقة. كما يساهم في خلق جسور تواصل بين المواطنين المغاربة في الداخل والخارج، ما يعزز الشعور بالانتماء الوطني.
و في هذا السياق، تنظم جمعية “ملتقى قبيلة الشرفاء أولاد أبي السباع ببوجدور” النسخة الثالثة من ملتقى قبيلة الشرفاء أولاد أبي السباع، والذي سيقام في الفترة من 24 إلى 27 أكتوبر 2024، تحت شعار “التراث المادي واللامادي عند قبيلة الشرفاء أولاد أبي السباع”.
يعد هذا الملتقى فرصة للاحتفاء بعيد المسيرة الخضراء وإبراز الموروث الثقافي بالصحراء المغربية. يحمل هذا الحدث قيمة رمزية كبيرة كونه جزءًا من مناطق الصحراء المغربية التي تتجلى فيها مظاهر الثقافة الأصيلة والتقاليد العريقة. كما سيساهم في تعزيز الدبلوماسية الثقافية المغربية و التسويق الترابي لمدينة بوجدور و جهة العيون الساقية الحمراء عامة.
و في سابقة لافتة، وجه الملك محمد السادس شكره وتقديره لأبناء وبنات الصحراء، مثنيا على ولائهم لوطنهم وتشبثهم بقيمهم الوطنية والدينية. هذه الإشادة لم تكن فقط تقديرًا للجهود التي بذلوها في سبيل الدفاع عن الوحدة الترابية، بل جاءت تعبيرًا عن ثقة جلالته في الشباب الصحراوي واعتبارهم أبناءً له. يُظهر هذا الخطاب تحولًا كبيرًا في طريقة التعامل مع هذه الشريحة، مما يعزز دورهم كمحرك أساسي في التنمية المستدامة، ويدعم مشاركتهم في القرار السياسي والاقتصادي. هذه الكلمات الملكية تؤكد أن أبناء الصحراء هم جزء لا يتجزأ من المشروع الوطني الكبير، وأن التضامن بين جميع مكونات المجتمع المغربي هو مفتاح تحقيق التنمية والاستقرار
ركز الخطاب الملكي على أن التنمية في الأقاليم الجنوبية ليست فقط مسألة اقتصادية بل دليل على ترسيخ الوحدة الوطنية. فالجهود التنموية في هذه المنطقة ترتكز على عدة محاور رئيسية تشمل تحسين البنية التحتية، تعزيز الفرص الاقتصادية، وتحقيق الاندماج الاجتماعي. شهدت الأقاليم الجنوبية استثمارات ضخمة من خلال المخطط التنموي للأقاليم الجنوبية الذي انطلق عام 2015، بميزانية تقدر بـ 77 مليار درهم. هذا المخطط يهدف إلى تطوير البنية التحتية، بما في ذلك توسعة الطرق والمطارات وتعزيز الموانئ، مثل ميناء الداخلة الأطلسي الذي يُعد من أكبر المشاريع المستقبلية. إضافة إلى ذلك، تم التركيز على قطاع الطاقة المتجددة، حيث أصبحت المنطقة موطنًا لمزارع رياح ومحطات للطاقة الشمسية، مما يعزز من تحولها إلى مركز للطاقة المستدامة. هذه الأوراش تضمن خلق فرص عمل واستثمارات محلية ودولية، مما يحوّل المنطقة إلى نموذج تنموي يربط المغرب و أوروبا بدول إفريقيا الغربية، وتعزيز دورها كمحور تجاري دولي. إضافة إلى ذلك، تم إطلاق مشاريع في مجالات الزراعة والصيد البحري، بما يعزز من فرص التشغيل ويضمن تنمية شاملة ومستدامة.
أعطى جلالة الملك محمد السادس في هذا الخطاب الإشارة إلى الانتقال النوعي في التعامل مع قضية الوحدة الترابية و التحول من مرحلة إدارة النزاع إلى مرحلة التغيير الحاسم، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، داعيا إلى تبني نهج استباقي و حازم بدلاً من الاكتفاء بردود الأفعال. هذا التوجه يعكس التزام المغرب بمبادرة الحكم الذاتي كإطار عملي ودائم لإنهاء النزاع، مع تعزيز الدبلوماسية الفاعلة التي تعتمد على المبادرة والجاهزية. ويهدف هذا التحول إلى ترسيخ الوحدة الترابية من خلال مواقف قوية ومبنية على الشرعية القانونية والتاريخية، إلى جانب تعزيز التنمية الشاملة في الأقاليم الجنوبية كجزء من رؤية متكاملة لإبراز الصحراء المغربية كنموذج تنموي رائد.
ذ. محجوب البرش السباعي/ بوجدور